Admin Admin
عدد المساهمات : 50 تاريخ التسجيل : 02/09/2012
| موضوع: ]تأملات في ديوان بتول لغتي الأحد أكتوبر 14, 2012 3:48 pm | |
| تأملات في ديوان بتول لغتي بقلم : سمير عربي
في هدأة الليل، على مشارف النجوم السائحة في دنيا الجمال ، والملاحة ، بين السواد المجلل ببياض الأمل ، حين يدلف الزمن، هذا الزمن السوريالي ، إلى باب الفجر ، فينتابنتي ظمأ عميق !! الزمن كتاب مسطور نتجول فيه، إلى مدى، نشرب فيه كؤوساً مختلفة ألوانها، فيها ما يشبه النهر ، وفيها ما يشبه البحر !!وفيها سراب يراه الظمآن من بعيدٍ ، فيحسبُه شراباً لذيذا . بيد أن فيها ما ينعش الروح، ويعيد الذاكرة، ويبعث الفرح .إنه الشعر الذي تتمرأى فيه النفوس ،وما ألذ مذاقه عند كل محب للحرف الملون، واللغة الرشيقة، والصورة الحزينة ، المبتهجة ، التي تحكي الحياة كلها، بكل تناقضاتها. بين يدي حروف متلألئة، ريّانة ،كأنها نزلتْ للتو من بعض النجوم اللامعة! ولا غرو فهي لشاعرة مقدسية، يدعونها عن حق " أميرة الحروف"، من بعض أوراق سيرتها أنها كنعانية ، عربية ، تطل كل صباح على أسوار القدس، وتمر على حارتها ، فتمتع عينيها بجمال الديار المقدسة، ونضارة تاريخها، وشهامة أبطالها .وهاهي تعلن إمارتها للحروف، في ديوانها الذي بين يدي " بتول لغتي" وما أكثر معاني هذا العنوان وأطرفها ، فتصرف الحروف أنى شاءت أو كما يشاء القلب ، وتصنع منها مدينة فسيحة ، فيها الجمال الذي يأخذ مجامع النفس ، والرقة التي تهز أركان القلب.وأراني أطرب من حين إلى حين ، بهذه اللغة المتبتلة ، المنقطعة عن الدنيا، وعن الناس جميعا ، متعبدة في محراب الحرف المقدس ، متنسكة في صومعة الحلم ، والبحث عن الفرح ، والسعادة ، ترتدي كل يوم لباسا قشيبا، وضيئا ، تخلعه عليها أعالى الجبال ، أو غابات الدهشة. تلك هي أميرة الحروف إيمان مصاروة، وذاك هو ديوانها الشعري الخامس بتول لغتي ! يُفَجِّرُ قَلْبي نارَ أرْضٍ تَأْسُرُ سِحْرَ صَلْصالِ المَوْتِ تَحْتَ خارِطَةِ أحْلامِ الزَّمَنِ أغْسِلُ وِشاحَ وِلادَةِ الغَضَبِ !!!وتَبْقى أنْتَ بَكّارَةَ الوَرْدِِ في خُطُواتِ رَحيقِها وَجَعُ الغَيْمِ مَوْتٌ يَزْهو عندَ حُدودِ الشّفَقِ تُطَرّزُ لي مِنْ حِنّاءِ مَدينَتي عَتَبَةََ شَهْد رَحيقُها في تَسابيحِ جنائِنِ عَينيْكِ !!!تَئِنّ ضَوْءاً خافِتاً ذاتَ لَيْلِ بهذه الأناقة تفتتح أميرة الحروف مراسيم الاحتفال بالمشاعر المضيئة !وإذا بها تختزل جميع أفكارها وأحلامها في سطور معدودة ، وما أبلغه من اختصار . قد يغني عن كل القصائد ، لولا أنها تأتي في كل قصيدة بروعة أخرى ، كأنها مولود يشبه إخوانه في الملامح ، إلا انه يختلف عنهم ببعض الأوصاف !وهذا القلب ما أعجبه ! يتحرك بالحب النبيل ، شوقاً وحنيناً ووفاءً، فيشعل نار الأرض المقدسة ، أرض المعجزات الساحرة والحياة التي تقاوم الموت.للقلب إرادة وعزيمة وتحد، وله عنفوان الحب الراسخ في الأرض . تلك بداية التكوين ، وافتتاح ترانيم العشق ، في هذا المعبد الشاعري. ولأن أحلام الزمن لها خارطة ، لا بد أن تجد الشاعرة اتجاهات عديدة ، ومساحات نائية وقريبة . ترعى فيها الشوك والورد، وتشهد ولادة الغضب والرضى ، واليأس ونقيضه ، وتعايش الاغتراب في المنافي الذاتية والواقعية. لكن هذا الوطن ..المعشوق السرمدي الأبدي يظل عصيا على الانتهاك في ذاكرتها العاشقة كأنه بكارة الورد !!! تمشي الشاعرة وفي رحيق خطواتها وجع الغيم ! كأنها وردة ذات رحيق في الخارطة الشائكة، بللها مطر الزمان بالماء والوجع.وفي خطواتها أيضا يبرز موتٌ هو وجه آخر للحياة ، مُشرقا زاهيا في ساعة الغروب . يا لها من احتفالية تمتزج فيها معاني الموت والحياة : ضدان يلتقيان ليضيئا قسمات قلب الشاعرة العاشقة ! وهاهي تناجي وطنها الذي طرّز لها عتبة شهْدٍ من حِناء مدينتها . وكأنها عروس منقوشة اليدين والأبواب والآفاق بحنّاء المدينة المقدسة ! وهاهي الشاعرة تطأ عتبة شهْد طرزها لها الوطن الجميل ، وأودعها كل التسابيح التي تئن ذات ليل في جنائن عينيه . فتدخل الى رحاب القصيدة برشاقة ، وجمال، وأمل ، وحب عميق لا يضاهى. وبهذه المعزوفة الشجية تفتتح شاعرة الوطن إيمان مصاروة ديوانها الجميل بتول لغتي . لغنائها الحزين ألحان عذبة ، تخضرّ لتوجاتها أشجار الزيتون ، وما أجمل الحزن في قصائد الشعراء !ألم يقل لامارتين شاعر فرنسة الأكبر : " إن أبدع الأغاني ما تسربل بالأسى " إن تسابيح االوطن الجريح تئن مثل ضوء خافت في ظلمة ليل ، في رائعة الشاعرة، فتاتي الصورة جلية ، راقية ، جامعة مانعة ، لهذا الحزن الفلسطيني الذي كلما امتد إلى قصيدة ، حول الشعر إلى بحر عميق تتلاطم فيه أمواج الجمال الفني والإحساس العالي. ولاستراتيجية الشاعرة في الكتابة جاذبية خاصة . فهي تكتب قصائد في قصيدة ، لأن كل سطر من سظورها يختصر عشرات اللحظات الخاطفة والراسخة في الذهن.فحين تقول : يفجر قلبي نار أرض ، فهي تجمع بين الذات والموضوع وهما هنا قلب الشاعرة ووطنها في ترابط لا ينفصم ، وتأخذ مجموعة من اللقطات في شكل صور معنوية وحسية ، لتكون النتيجة التي نصل إليها في سطر من سطورها مجموعة من المعارف والحقائق التي تقربنا من مداليل الشاعرة ومعانيها. وهذا يدفع لتأمل لغة الشاعرة التي صنعتْ عالمها المدهش ، في هذه الافتتاحية الأنيقة لديوانها . لغة تُقرأ من زوايا مختلفة ، بعد شيء غير قليل من البحث في ماهيتها، والاجتهاد للكشف عن أسرارها، لأنها ببساطة لغة غير عادية، هي لغة الشعر التي وصفها أدونيس بأنها لغة الإشارة، في حين أن اللغة اليومية هي لغة الإيضاح.ولكن ذلك ليس مؤداه أن لغة الشاعرة غامضة مبهمة لا سبيل لاستشفاف مكنوناتها ، أو أنها تعوق الفهم العام وتذوق الصور ، فهي تمنح القارئ بوصلة ، في أول الأمر، تساعده على الجولان في عالمها المترامي الأطراف، فيعرف أين تطأ قدمه وأين يتجه وكيف يصل ولا يخشى الضياع! ألا يتلمس القارئ في ابتدائها القصيدة بالقول : يُفَجِّرُ قَلْبي نارَ أرْضٍ .تَأْسُرُ سِحْرَ صَلْصالِ المَوْتِ ، خيطاُ رفيعاً يمكنه من التقاط مقصد الشاعرة ، ويدرك ذوبانها في همومها الذاتية والوجدانية والمكانية ، وإن كان هناك غموض تُرمى به طائفة من استعمالاتها اللغوية، فإنما هو يندرج في بند الغموض اللذيذ الذي هو مظهر من مظاهر الحداثة في الشعر، إذ بدونه يتحول النص إلى كتاب مفتوح يُقرأ مثل قصاصات الجرائد ويرمى على الرصيف بعد نظرة عابرة !وللشاعرة أن تعتز بلغتها أيما اعتزاز ، تلك اللغة المنحوتة من تجربتها الحياتية الغنية ، ومن وفرة اطلاعاتها على عيون الشعر المعاصر ، لغة تجمع بين الغموض والوضوح في تناسق تام، يخدم القارئ المتمعن الذي يجتهد و يكابد مشقة بلوغ المعنى ، لكنه يصل على كل حال! على هذا المنوال تمضي أميرة الحروف إيمان مصاروة في ديوانها البديع، وبنفَس واحد ولغة واحدة ، كأنها تكتب قصيدة واحدة ، طويلة ، تحمل ذات الروح، والشجن ، والنبرة ، واللغة الحالمة .مسكونة بهاجس الحب ، تلك العاطفة السامية التي لا تلامس إلا القلوب الرقيقة ! ولأن الحب يخلق الإبداع فقد كان دافعها لتفجير هذه الترانيم العذبة ، إذ لا تنفك تعشق مدينتها وتتغنى بها و بكل شوارعها وأشواقها ، وتعشق وطنها فتحلم بحريته ، وتعشق رجلا ما هو معادل رمزي للإنسان المتقلب بين الخير والشر، فتناجيه وتلتمس فيه الأمان. وهذه شذرات من قصائدها العاشقة ، لأشرك معي القارئ في تذوق هذا الحب المقدسي البالغ الرقة والأناقة ، كي لا أكون أنانيا وأحرم عاشقي الحرف البهي من الارتواء من معين هذا الديوان الفريد عَويلُ روحِكِ ...لَوحٌ مُقَدَّسٌ عَلى رَحيل لَحْنِكِ أَسْدَلْتُ شَظايا لُقْياكِ ...رَقْصَتْ لِمَوْتِكِ كُلُّ الحَكايا ضَوْءٌ يَبْكى جُرْحي !!وطُقوسي عَذْراءُ ************************************** بِداياتي كانَتْ عِشْقَ أُنْثى نِهاياتي كانَتْ عْشْقَ أُنْثى عَلى جُنْحِِ عِشْقي رَسَمْتُها وَفي خاصِرَتي هَنْدَسْتُها غَرَفْتُ منْ عُمْري كُلَّ جُنونِ الحُبِّ وَغَسَلْتُ الليالي بِكَلماتٍ مَُبَلَّلَةٍ هِيَ أَنْتِ ***************************************** في رُكْنِيَ المُشْتَهي مَسَحْتُ أَكاليلَ دَمْعي رَقَصَتُ قَبْلَ الَوداعِ عَلى ماءِ اللّيْلِ !!!وَنَثَرَتُ ما تَبَقّى مِنْ لُغَةِ الهَجْرِِِ كانَتْ حِكايَتي هُناكَ عِنْدَ الأصيلِ كَأْسَ عِشْقٍ !!!مارَسَ تِلاوَةَ المُجونِ فَوقَ نَعْشي *************************************** أنا مَنْ أَحْبَبْتُ مُدُناً رَسَمْتُها عَلى نَجْمِكَ وَأنْتَ مَنْ لَوَّنْتَ تَرابَها بِنَيازِكِ عُمْري رَمَتْني أَحْزانُ الأَرْضِ صَحْراءَ كانَتْ ويابِسَةً ************************************ أنْتَ في صَباحاتي قَناديلُ النَّهارِ أتَلَعْثَمُ بِشِفاهِكَ وَتُسْكِرُني أَهْدابٌ عليها أَرْسُمُ لَظايَ تَبْقى في صَحْرائي حُروفاً لِلَغَيْبِ اخْتَزَلْتُها في قواربَ بَكْرٍ وَأشْعَلْتُ فيها أَنْفاسَكَ العابِرَةَ عَلى رَمادِ روحي وَكُنْتَ وَجعيَ المَجْنونَ !!!وَأُغْنِيَةً تَتَوَهَّجُ في لَيْلِيَ الحَنونِ ********************************** أراكَ في قُبْلَةِ الصّباحِ مَوْعِداً لِماضِيَّ وَقَلْبُكَ الذي احْتَرَقَ بِعِطْرِهِ وَقَدْ صَلَّيْتُ لِأحْضانِ سَيِّدَةِ الشُّموعِ أَعْتَقَتْني مِنْ ظَمَأِ الحُزْنِ حينَ زَفَفْتُهُ لِدَمي مَلاكاً وَلِقاماتِكَ أَنْتَ !!كُلُّ الشَّوْقِ هاهُنا وَأمْنِيَةُ الرَّحيلِ ************************************ خُرافَةُ عاشِقٍ لَمْلَمَ ضَفائِري بِلَوْنِ البَحْرِ ...بلَِوْنِ السَّماءِ !!!بِبُحَّةِ نايٍ مُشْتاقٍ لَوَّنَها سِياجاً رَاقِصًا عَلى مَفارِقِ الجَفافِ وَأغْنِيَةً بِكْرًا **************************************** أتَحَدَّثُ بِِشَذايَ لِلزَّعْفَرانِ وأَْنُثُرُ القُرُنْفُلَ أيْنَما أشاءُ لَنْ أجِدَ نَخْبَ غَيْرِهِ لِيَشُقَّ لي أمْواجَ الرُّوحِ !!وَلِأَكونَ النِّهايَةَ لِميلادٍ لا يَنْكَسِرُ ************************************* رَحَلْتَ إلى كِتابِ الجَحيمِ كانَتْ ذِكْرياتي تَبْكي عاشِقَةً غَرَفَتْ مِنْ رَسْمِكَ لَمْ يَغْفُ لَيْلي مِنْ دُموعٍ تَناثَرَتْ لِغَسْلِ جُدْرانِهِ !!وَلَقَّنَتْ فيهِ خَفَقاتِ الشَّوْقِ لِهَذا الحُلْمِ *************************************** هذا حب أفلاطوني مدهش ، يعجز القارئ أو يكاد يعجز عن معرفة كنه المحبوب المقصود فيه ، محبوب أسطوري توجه له الحديث بهفة الناسك المتعبد في صومعته ، وتقدم له قرابين العشق والشوق ، وهو محبوب متعدد الأوجه ، تارة يظهر في صورة وطن ، وتارة ثانية في صورة مدينة ، وتارة ثالث في صورة رجل يتمثل في أجمل صور المثالية والإنسانية ، والحب واحد في كل هذه الحالات، فما تقوله عن الأول يصدق على الثاني والثالث أيضا ، فالحبيب متعدد ولكن الحب واحد ! وأسلوبها في التعبير عن هذا الحب مدهش حد السماء، يرقى بشعرها إلى أعلى درجات الجمال والإبهار ، صنعته الشاعرة الأميرة أو ابتكرته بلغة فريدة لم يعرف مثلها مجنون ليلى ولا جميل بثينة ولا ابن زيدون ولا كل العشاق المشهورين ،لغة رامزة فيها شتى صنوف البلاغة والترميز والحقيقة والمجاز ، وفيها الطبيعة تسلم أجمل ما تحمل من كلمات وتقدمها للشاعرة فترسم بها أرقى اللوحات الرومانسية وتستطيع الشاعرة أن تصور المحبوب ، أيا كان هذا المحبوب، أدق تصوير ، وتدرك خفاياه وما يعتلج فيه من معاناة ، فهي تسمع عويل روحه، وتعيش رحيل حزنه، وتلمس في لقياه شظايا، كما تجيد ، في هذا الرومانسية الفائقة تصوير لحظاتها ، فترى الضوء يبكى جرحها ، وتلوذ بطقوسها العذراء التي لم يسبقها إليها احد ! كخلاصة أقول : إن ديوان إيمان مصاروة بتول لغتي هو ديوان غير عادي لشاعرة غير عادية ، لغتها بتول عذراء وغير عادية ، والشاعر ة مدرسة خاصة لا تشبه احدا ولا يشبهها أحد ، أو بالأحرى هي تضم مدارس عدة ولكنها تصهرها في فنيتها وأسلوبها ،وفي الديوان سلاسة تعبير وسلامة تركيب وذكاء وحسن اختيار في توزيع الصور وبناء العوالم الذاتية ، وشكليا طفتْ على السطح بعض الأخطاء المطعية التي لا يُعتد بها في النقد الحديث ،لان القارئ اللبيب يعرف انها اغلاط مطبعية او من زلات الآلة الراقنة ، فيتجاوزها إلى عمق الديوان وجمال الأفكار والمضامين . | |
|