موضوع: مشاركتي في ندوة عن ديوان نوافذ الخميس سبتمبر 27, 2012 9:26 pm
المداخلة التي القيتها في اليوم السابع مساء اليوم خلال نقاش ديوان نوافذ للشاعر المقدسي رفعت زيتون
عرض نقدي تحليلي لشعر الشاعر رفعت زيتون شاعرنا رفعت يحيى زيتون، شاعر، بمثله ترتفع قامات الأمة، يحيى من أجل فلسطين، متجذر فيها كزيتونها، وهذا الشاعر المهندس ابن القدس غني عن التعريف، صدر له أخيرا عن دار الجندي للنشر والتوزيع – القدس ديوان نوافذ يقع الديوان في 111صفحة من القطع المتوسط، يحتوي الديوان ثلاث عشرة قصيدة هي: أقبلْ بالضّحكةِ مُنْشرِحًا، أنتِ اشتياقي .. وأنتِ السّرابْ، طوتِ السّطورُ حروفَها، منْ بينِ قطراتِ المطر، غيثُ الفؤادْ، لمْ يعدْ في النّهرِ ماءٌ، قالَ لي حُلمُ المساء، لو تموتُ الذّكرياتْ، ألا مِنْ خَبَرْ، اليومَ محكمةٌ، يا حاسدي، عابِرَةُ سَبِيل، لمْ يبْقَ إلْا الكَلِمَة(قصيدة مُطوَّلة 64 صفحة) والإهداء إلى كل عاشق للضاد، وكل مؤمن بأن نور الكلمة سيعود يوما، والى كل الأهل والأصدقاء، والكاتبة كاملة بدارنة، ولقد تميز الديوان بتطور لغة الشاعر وأسلوبه، وبرز إبداع الشاعر في قصيدته لمْ يبْقَ إلْا الكَلِمَة والتي هي أشبه بالملحمة الشعرية وهي من أحسن الشعر. والمقام هنا لا يتسع للحديث عن الكثير من روائع هذا الديوان، تصفحت صفحاته واحترت أي القصائد سأنفذ في مروج أعماقها، فكلها عذاب وجميلات، فأغمضت عيني واخترت قصيد"ألا من خبر " للوقوف عليها ومن خلالها نتتبع مكانة شاعرنا الفذ،يقول فيها: رمتـني جفــــوني بلـيلِ السّـــهَرْ ونامـــتْ كطـــفلٍ عـــيونُ القـــمَرْ غريــبًا غــدوتُ كطـــيرٍ حـــزينٍ تُرى هلْ سلتني غصـونُ الشــجَرْ وهلْ ذابَ بحريَ في قعرِ حوضٍ وغيضتْ مياهي وجـــفَّ النَّــهَرْ أمْ أن السّحابَ اختفى منْ سمائي وضــلَّ الطّـــريقَ إلـيَّ المــــطَرْ يعبر لنا الشاعر في هذه القصيدة عن الحالة النفسية التي يعيشها بسبب الاحتلال للوطن والغربة فيه والاغتراب، ويقتنص من مظاهر الطبيعة صوراً رمزية توحي لنا بحالته النفسية. والشعر فيه شيء من غموض، ولكنه غموض يوحي لقارئه بإدراك المعنى والجو النفسي الذي يعيشه الشاعر، فنحن أمام صور متعددة، صورة الشاعر لا يعرف النوم جفنُه من هول المأساة وقد غاب القمر، ولو أسهبت في الحديث لأخذ مني هذا البيت صفحات في التحليل ، فالشاعر يشكو الغربة في وطنه الذي يجري تهويده على قدم وساق، فالشاعر أصبح غريبا عن وطنه، كما أن الوطن أصبح غريبا عن صاحبه، وما أشد الغربة في الوطن عندما يصبح الإنسان غريبا كطير حزين، ويتساءل الشاعر بحزن: هل حقا أن غصون الشجر وجمال القدس قد نسيني؟ وهل قلّ وضعف العطاء في المطالبة بالحق السليب وامتنع الخير والمطر في ظل تكالب قوى الأرض على وطن؟ والشاعر هنا يتكئ على التشبيهات والاستعارات والكنايات والمجاز والخروج على غير المألوف بما يسمى الانزياح أو الانحراف،لجمالياته والنحو نحو الإيحاء والإيحاء تأثيره كبير في النفس، فيقول:"رمتني جفوني" فيصور لنا أن الجفون كأنه إنسان يرمي، وهي استعارة مكنية، وفيها أيضا كناية عن عدم القدرة على النوم والقلق، ويشبه القمر بإنسان له عيون وينام كما الطفل ينام، وفيها كناية عن طول قلق الشاعر بالإضافة للتشبيه، ويشبه الشاعر نفسه في غربته بالطائر الحزين، وينتقل الشاعر من الأسلوب الخبري الذي يصور حالته النفسية القلقة إلى الأسلوب الإنشائي متسائلا:" تُرى هلْ سلتني غصـونُ الشــجَرْ وهلْ ذابَ بحريَ في قعرِ حوضٍ والاستفهام يفيد التحسر، فيتساءل الشاعر هل بهاء القدس وأصالتها العريقة قد خبت ونسيت عروبتها في هذا الجو العاصف بالتهويد؟ أم أن الخير والعطاء العربي قد نضب واستُنزِف؟ فيصور الشاعر أن الأشجار تنسى وهي استعارة مكنية، وفي قوله وهلْ ذابَ بحريَ في قعرِ حوضٍ) كناية عن انقطاع المد والعطاء العربي، ويقول: أمْ أنَّ السّحابَ اختفى منْ سمائي وضــلَّ الطّـــريقَ إلـيَّ المــــطَرْ والاستفهام يفيد التحسر، حيث يتساءل الشاعر: هل الخير والعطاء العربي قد انقطع عن أرضنا؟ وفي البيت كناية. ويسترسل الشاعر فيقول: أقولُ لنفـسي وقـدْ ضـاقَ صدري وشــدّةُ عتــمي تســــدُّ البـــصَرْ أقـــولُ وقــدْ طالَ يـومُ انتظاري ألا مــنْ بـــريدٍ ألا مــنْ خـــــبَرْ يُريــحُ فـــــؤادَ الظّـــنونِ وقلـبي فتســـكنُ فــيَّ ريـــــاحُ الفِــكَـرْ وتهــدأ روحـــي وتغــفو عيوني وتكـسرُ نفــسي قيــــودَ الحجَر فيبدأ بالأسلوب الخبري الذي يعبر عن قلق الشاعر، فهو يخاطب نفسه كما يخاطب شخص شخصا وقد ضاق صدره، كناية عن رفضه للواقع المر، يخاطب نفسه في عتمة تسد البصر، وهذه كناية عن النفق المظلم الذي يعيش فيه الفلسطيني، وقد طال انتظاره، وهي كناية عن طول أمد الإحتلال، يقول لنفسه منتقلا إلى الأسلوب الإنشائي: ألا من بريد ألا من خبر؟ والاستفهام يفيد هنا التمني، فالشاعر يتمنى زوال الاحتلال وارتفاع الغمة والغربة عن الوطن، وهنا في العبارة حذف يكسب الأسلوب جمالا على جمال فكأني به يقول: ألا من بريد يحمل خبر زوال الاحتلال؟ وهذا الانزياح أو الانحراف في اللغة والإيحاء أبلغ في نفس المتلقي لتحصل المتعة الذهنية والفنية وتصوير الواقع، وهنا تكثر أفعال المضارعة: أقول، تسدّ، يريح، تسكن،تهدأ، تكسر،تغفو، وهذه الأفعال تفيد بث الحيوية، فالشاعر يريد زوال الاحتلال ليرتاح؛ فاختار من الأفعال ما يناسب ذلك:" تسكن ،تهدأ، تكسر، تغفو، يريح" وقد كرر الفعل أقول مرتين؛ ليصور نفسه الملحّة وحاجتها لزوال الاحتلال، وفي عبارة "تغفو عيوني" ما يدلل على ذلك وهي كناية عن حاجته لزوال الاحتلال، وبينها وبين عبارة"تهدأ روحي" مساواة لإعطاء القصيدة إيقاعا داخليا. فالشاعر يقول: أقول لنفسي، حيث لجأ إلى تقنيات فنية مستمدة من الفنون النثرية السردية، فاستخدم الحوار، ولجأ إلى التداعي الحر من خلال اعتماده في نسج القصيدة على الذاكرة والحواس والخيال، ومكّنت هذه التقنيات بأن جعلت بناء القصيدة يقترب من البناء الدرامي ، وقوله في مخاطبته للنفس يذكرنا بقول إلياس فرحات:
أقُولُ لِنَفْسِي كُلَّمَا عَضَّهَا الأَسَـى = فَآلَمَهَا : صَبْرَاً فَفِي الصَّبْرِ مَكْسَبُ وهذا تناص أدبي ، والتناص يثري الأدب ويمده بعناصر القوة والجمال. ويتابع الشاعر شدوه قائلا:
فها هو مستمر بمخاطبة النفسْ"أقول" بعد أن ملّ انتظاره من زوال الاحتلال"ألا من بريد ألا من خبر" فنستوقف هنا عند أداة التحضيض وهي تفيد الحث والطلب ، ولا يليها إلا فعل مضارع، والفعل المضارع هنا محذوف، وفيه إيجاز بالحذف، فالشاعر يستخدم ضمير المفرد"أنا" والذي يفيد ضمير المتكلم"نحن" أي الفلسطينيين الذين يتوقون لسماع خبر سار مفرح لطالما انتظروه وهو زوال الاحتلال، وفي قوله:" يُريــحُ فـــــؤادَ الظّـــنونِ وقلـبي" كناية عن الطمأنينة التي اشتاق لسماعها الفلسطيني، ومثلها أيضا قوله:" فتســـكنُ فــيَّ ريـــــاحُ الفِــكَـرْ" ومثلها قوله:"وتهــدأ روحـــي وتغــفو عيوني" فالشاعر يأتي بقوالب لفظية متعددة متتالية لتفيد تأكيد معنى توْق الفلسطيني لراحة البال.
ويصدر الشاعر في أفكاره ومعانيه عن تجربة صادقة، وعاطفة قوية، فلا ريب في ذلك، فلقد عايش الاحتلال وقاسى مراراته واكتوى بلظاه لامس القهر والظلم بنفسه منذ نعومة أظفاره ، فانعكست ذلك على أحاسيسه ووجدانه، وقد غلبت على المقطوعة نزعة الرفض للواقع المر والمتمثل في الاحتلال، فارتفع صوته رافضا هذا الواقع المزري. أما الوزن والموسيقى فنرى أن الشاعر قد نظم مقطوعته على نمط الشعر العمودي، فاستخدم بحر المتقارب، وتميزت القصيدة بإيقاع عذب لاءم جوها وغرضها، ساعد ذلك القافية، وقد استخدم قافية الراء، والراء صامت مكرر هو الوحيد بين الصوامت في هذه الميزة، مجهور ذو وضوح سمعي، وهناك الإيقاع الداخلي، الناتج عن التصريع والتوازي الصوتي والتكرار الإيقاعي والجمع بين الأصوات المهموسة والأصوات المجهورة. وينسجم هذا الإيقاع الشعري بكامله مع الجو الموسيقي والنفسي والدلالي للقصيدة. مع وافر الشكر والتقدير لحسن الاستماع.